المدينة الضائعة تحت صحراء الربع الخالي

 المدينة الضائعة تحت صحراء الربع الخالي



صحراء الربع الخالي ، تلك الصحراء الممتدة والمترامية والتي كانت يومًا ما ، تذخر بالحياة والمياه والحيوانات التي تركض هنا وهناك ، ثم فجأة وقع حادث رهيب حوّل تلك المنطقة ، التي تضج بالحياة إلى صحراء قاسية قاحلة لا حياة فيها .
تعد صحراء الربع الخالي من أكبر الصحاري على مستوى العالم ، وتتقاسمها أربعة دول عربية هم المملكة التي يقع الجزء الأكبر من الصحراء بها ، والإمارات العربية المتحدة ، وسلطنة عمان ، والجمهورية اليمنية ، وأُطلق هذا الاسم على الصحراء نظرًا لكونها خالية من الحياة ، فهي أقسى المناطق من حيث الظروف المناخية ، فلا توجد بها سوى بعض الحيوانات القليلة بينما تعيش على أطرافها ، بعض القبائل ولكن دون أن تتوغل بداخلها كثيرًا .

ظلت أرجاء تلك الصحراء لغزًا لسنوات طويلة ، حتى قرر الانجليزي برترام توماس أن يقتحمها في عام 1932م ، وتجول في بعض أرجائها ليسكر حاجز الخرافة الذي سيطر على المنطقة ، وأثناء جولته التقى بعض القبائل القابعة على أطراف الصحراء وعلم منهم بوجود مملكة أو مدينة قديمة تقع أسفل تلك الكثبان الرملية الكثيفة ، وتدعى عبار وعلى الرغم من عدم تصديق برترام لتلك القصة بوجود مدينة مفقودة أسفل رمال الصحراء ، إلا أنه ألف كتابًا روى فيه تفاصيل رحلته وذكر فيه المدينة الضائعة عبار ، ولكن دون اهتمام منه .
أثار ما كتبه توماس بشأن مدينة عبار ، فضول رجل الاستخبارات البريطاني جون فلبي ، فانطلق نحو صحراء الربع الخالي ، مسميًا نفسه بالشيخ عبدالله ، وذهب ممنيًا نفسه باكتشاف الكنز المفقود ، ولكنه لم يجد شيئًا سوى بعض الأشياء التي لفتت انتباهه بالفعل ، فقد وجد بعض الطبقات الجيرية التي تدلل على وجود مسطحات مائية ، كما وجد آثارًا لحيوان فرس النهر!
فياترى ماذا قد يفعل فرس النهر بالصحراء ، سوى أن يكون حفرية قديمة منذ أن كانت مدينة عبار موجودة ، وبالفعل أكد الكثير من الجيولوجيين وجود حياة من قبل تذخر بالنبات والحيوان في العصور القديمة ، واستدلوا على وجودها بوجود النفط المتكون من خلالهم .
إحدى النظريات تؤكد وجود فترتين قد مرت بهما صحراء الربع الخالي ، إحداها فترة ازدهار حيث نمت النباتات وازدهرت الحياة على سطحها ، والفترة التالية كانت بالتقريب في حدود عام 3000 قبل الميلاد ، حيث حدث تغير مناخي مفاجيء في المنطقة مما اضطر سكانها إلى هجرتها جميعًا ، حيث تحولت الأراضي الخضراء إلى صحراء قاحلة دفعت الجميع إلى مغادرتها .
ويروي المؤرخون بأن عاد كانت تسكن الجزء الجنوبي من صحراء الربع الخالي ، وكانوا قوم ذووا ثراء فاحش ، حيث كانوا يتحكمون في تجارة العلكة العربية ، ويعملون على تصديرها إلى الشام ومصر عبر قوافل تجارية تسير على طرق محددة ، وكان لقوم عاد مدن كبيرة منها مدينة عبار أو إرم ذات العماد .
والتي كانت تحتوي على ألف عمود ، وقد اختفت تلك المدينة من على وجه البسيطة إبان القرن الرابع قبل الميلاد ، حيث اندثرت تلك المدن ، ولم يبقى منها سوى قصتها التي تناقلتها الأجيال .
وبحلول فترة الثمانينيات من القرن المنصرم اكتشف العلماء بواسة الأقمار الصناعية الطرق التي كانت تسلكها القوافل التجارية ، والتي كانت تمر عبر صحراء الربع الخالي نحو الشمال ، وبتتبع تلك الطرق واقتفاء أثرها وجدوا أنها تصل إلى جنوب سلطنة عمان .
وبالمزيد من الاقتفاء وجد العلماء أنها الطريق يقود إلى حصن قديم ، ظنوا في البداية أنه حديث البناء أي من قرون عدة فقط ، ولكنهم اكتشفوا عقب ذلك أنه أقدم من ذلك ، فبالمزيد من التوغل تم اكتشاف أوني فخارية إغريقية وفرعونية ورومانية تعود إلى آلاف السنوات الماضية .
هذا الحصن المكتشف كانت له جدران سميكة ومرتفعة للغاية يبلغ طولها ، أكثر من ثلاثة أمتار ، ويبدو أن هذا الحصن قد بني فوق طبقة كلسية ، وما أن جفت المياه تحتها حتى انهارت المدينة أو خسفت تمامًا على حين غرة تحت الأرض .
وعلى الرغم من تلك الحقائق إلا أن البعض مازالوا يتصورون أن هذا الحصن ، ما هو إلا مكانًا لاستراحة القوافل في طريق التجارة وليس هو مدينة إرم أو عبار ذاتها .