الاستعدادات السرية لأول حملة صليبية ضد المغرب (سبتة)


الاستعدادات السرية لأول حملة صليبية ضد المغرب (سبتة)

الهجوم البرتغالي ضد سبتة
خريطة لمدينة سبتة على الأراضي المغربية

كانت توجد من بين الممالك المسيحية التي تأسست ببلاد الأندلس أثناء الحكم الاسلامي مملكة البرتغال التي اصبحت على وشك استكمال وحدتها الترابية قبل الممالك الأخرى؛ وتشهد الوثائق البرتغالية بأنه نظرا للدور الطلائعي الذي لعبه شمال المغرب في الفتح الاسلامي للأندلس وفي الحملات المتوالية التي عززت دولة الاسلام هناك, فقد كانت الحملات الصليبية الأولى المنظمة ضد المغرب تستهدف بالذات مدينة سبتة في شمال البلاد.


وتتحدث تلك الوثائق عن محاولتين اثنتين قامت بهما البرتغال من أجل الاستيلاء على المدينة المذكورة, فكانت المحاولة الأولى يوم (7 محرم  576 هجرية) الموافق ل (3 يونيو 1180 ميلادية) حيث قام الأسطول البرتغالي برئاسة: "فواس رومنهو" Fuas Rominho بهجوم ضد سبتة غير أنه أخفق في مسعاه ؛ فكرر الهجوم يوم 19 صفر من نفس السنة (15 يوليوز) ولكن دون جدوى كذلك.
والسبب في إخفاق المحاولتين المذكورتين يعود الى كون الأسطول المغربي كان أقوى من البرتغالي في ذلك العهد, لدرجة أن أمير الأسطول المغربي المرابط بسبتة عبد الله بن جامع قام برد فعل, فهاجم الأسطول البرتغالي في مياه بوغاز جبل طارق وتمكن من القضاء عليه وقتل قائده "فواس" وأسر 1800 من بحارته واستولى على أكثر من 20 سفينة برتغالية, وذلك يوم (15 محرم 577 هجرية) الموافق (31 ماي من سنة 1181 ميلادية).
وفي سنة (585 هجرية) أي (1189 ميلادية) اجتاز الخليفة يعقوب المنصور الموحدي البحر متوجها الى الأندلس, ثم عبر البوغاز مرة ثانية سنة (591 هجرية) أي (1195 ميلادية) حيث جرت معركة الأرك الشهيرة يوم (8 شعبان -19 يوليوز-) والتي انهزم فيها الملك القشتالي الفونصو الثامن ALFONSO VIII  .
وعلى اثر هذا الانتصار طلب ملك ليون LEON  الصلح من الخليفة فوافقه على ذلك شريطة أن يتعهد ملك ليون بمحاربة ملك قشتالة, فكان الأمر كذلك وكانت النتيجة أن طلب ملك قشتالة بدوره الصلح من العاهل المغربي وأبرمت معاهدة يوم (19 رمضان  سنة 593 هجرية) الموافق (5 غشت 1197 ميلادية) .
وهكذا أصبح الخليفة الموحدي يتحكم في المماليك المسيحية بشبه الجزيرة الايبيرية, بدليل أن ملك نافارا NAVARRA حضر الى مراكش ليستنجد بالخليفة محمد الناصر لدين الله فأبرم معه معاهدة صلح ليوم (26 جمادى الأولى 596 هجرية) الموافق (14 مارس 1200 ميلادية).
غير أن انهزام الخليفة الناصر في معركة العقاب ليوم (15 صفر 609 هجرية) الموافق (16 يوليوز 1212 ميلادية) غيرت الأوضاع, فلم يعد المغرب يمثل بالأندلس الدور الذي اضطلع به من قبل.

صحيح أنه انذاك لم تكن بالأندلس مملكة مسيحية قادرة على مواجهة المغرب في أرضه بسبب عدم توفرها على الأسطول الضروري لذلك؛ ولكن كانت هناك مملكة البرتغال التي استطاعت أن تستكمل وحدتها الترابية واستقلالها الكامل قبل غيرها من الممالك المسيحية الأخرى.
وهذا ما جعل البابا هونوريو الثالث HONORIO III يفكر في الاعتماد على طريقة أخرى تمكنه من نشر الدعوة المسيحية بين المغاربة بواسطة عمليات التبشير, حيث نجده يعين يوم (22 شوال 622 هجرية) الموافق (27 أكتوبر 1225 ميلادية)(المطران فراي دومينكو Fr. DOMINGO) "أسقف بمملكة أمير المؤمنين" "OBISPO EN EL REINO DEL MIRAMAMOLIN".
وفي يوم (20 صفر 623 هجرية) موافق (20 فبراير 1226 ميلادية) وجه الى رئيس أساقفة طليطلة المطران خيمينيث دي رادا  JIMENEZ DE RADA رسالة يحثه فيها على { الاهتمام بأمر التبشير الذي يقوم به الرهبان بين الكفار ببلاد أمير المؤمنين}.
ولكي يسهل على الرهبان القيام بعملهم دون تعرضهم الى مضايقات من طرف "الكفار" أصدر يوم (18 جمادى الأولى 623 هجرية) الموافق (17 ماي 1226 ميلادية) صكا يأذن يه للرهبان بترك لحاهم وارتداء ملابس عادية قصد التنكر.
وكانت مدينة سبتة أول مدينة مغربية اختارها الرهبان للقيام بعملية التبشير بصفة علانية, وكانت النتيجة أن قام السكان بقتل الرهبان السبعة يوم (27 شوال 624 هجرية) الموافق (10 أكتوبر 1227ميلادية).
وفي شهر (ذي القعدة 625 هجرية) الموافق (أكتوبر 1228 ميلادية) أتى من الأندلس الأمير ادريس المأمون ومعه كتيبة من الجنود النصارى مستعينا بهم على أقامة ملكه, فكان أول من أجاز النصارى من الأندلس ووضعهم تحت تصرفه  الملك القشتالي فرناندو الثالث FERNANDO III  على أساس أن يبني لهم كنيسة بمراكش "العاصمة" .
عبد السلام بن مشيش
وهناك حجج تثبت أن اغتيال الولي الصالح مولاي عبد السلام بن مشيش كان سببه موقفه المعارض لما قام به المأمون باستعانته بجنود النصارى والسماح لهم باقامة كنيسة ب"عاصمة" مراكش.
وفي يوم (20 أكتوبر 1232 ميلادية) الموافق (3 محرم 630 هجرية) أصر البابا غريغوريو التاسع GREGORIO IX  صكا يحث فيه ملك البرتغال سانشو الثاني SANCHO II  على تنظيم حملة صليبية ضد مسلمي الأندلس والمغرب لأنه "من الضروري متابعة الحرب ضد الموروس الكفار".
وتنفيذا لهذا الأمر الباباوي قام ملك البرتغال بصنع عدد كبير من السفن الحربية وبعد سنتين هاجم بها مدينة سبتة, الا أنه لم يتمكن من الاستيلاء عليها, الأمر الذي جعله يجدد الكرة مرة أخرى في شهر (ذي القعدة من سنة 631 هجرية) الموافق (غشت 1234 ميلادية) ولكن دون جدوى كذلك.
وفي يوم (21 أكتوبر 1234 ميلادية) الموافق (26 محرم 632 هجرية) أصدر البابا المذكور صكا أخر يحث فيه الملك البرتغالي من جديد للقيام بحملة صليبية من أجل الاستيلاء على مدينة سبتة والقيام ((باحتلال أرض الموروس الواقعة ما وراء البحار)) غير أن العاهل البرتغالي لم يقم بأي عمل يذكر لتنفيذ الأمر الباباوي الجديد لأسباب نجهلها والشيء الوحيد الذي تذكره المصادر البرتغالية هو الهجوم الذي قامت به جنوة على مدينة سبتة سنة (633 هجرية) أي (1235 ميلادية).