اللغة الهيروغليفية

الهيروغليفية أقدم كتابة تصويرية


د.زاهي حواس وزير الدولة لشئون الاثار المصرية السابق، وشغل سابقاً منصب مدير آثار الجيزة

من الخطأ أن نطلق على الهيروغليفية اسم «اللغة المصرية القديمة»؛ لأن اللغة المصرية القديمة تتكون من 3 خطوط، وهي: الهيروغليفية، والهيراطيقية ثم الديموطيقية... ويرجع تاريخ الكتابة المصرية القديمة إلى نحو 3200 ق.م، وقد استمر استخدامها حتى القرون الأولى الميلادية، حيث بدأت العلامات الكتابية التصويرية خلال عصر ما قبل الأسرات، واستمرت في القرن الرابع الميلادي؛ ولذلك أستطيع أن أقول إن اللغة المصرية القديمة تُعد أول لغة مكتوبة ومعروفة في العالم، حيث كان من المعتقد من قبل أن اللغة السومرية أقدم من اللغة المصرية القديمة، ولكن أكد عالم الآثار الألماني غونتن دراير من خلال حفائره في أم الجعاب بالعرابة المدفونة بمحافظة سوهاج، وهي المنطقة التي يوجد بها مقابر ملوك الأسرة الأولى وآخر ملكين من الأسرة الثانية، على أن المصريين القدماء عرفوا الكتابة قبل قرنين من معرفة السومريين لها. وقد عثر دراير على أدلة تشير إلى أن المصريين عرفوا الكتابة بنحو مائتي عام، قبل أن يتم توحيد القطرين على يد الملك «حورعحا» الشهير بـ«مينا»، وقد فتح هذا الكشف أهمية كبرى بالنسبة للغة المصرية القديمة.
وتعد اللغة المصرية القديمة واحدة من خمسة فروع لعائلة اللغات القديمة والتي تنطق، أي يتم الحديث بها، والتي ظهرت في غرب أفريقيا والشرق الأدنى القديم، وعرفت باسم (الأفروآسيوية) أو (الحامية السامية)... ونظراً لشيوع عدة عناصر في المفردات وقواعد علم النحو لبعض اللغات القديمة؛ لذا يرجح أن هذه الفروع اللغوية الخمسة السابق ذكرها قد اشتقت جميعها من لغة بدائية مبتكرة، وكذلك يوجد في اللغة المصرية القديمة بعض الكلمات التي وردت في لغات الشعوب الأخرى المعاصرة... واستطاع علماء اللغة أن يؤكدوا أن قواعد اللغة المصرية القديمة تشابه قواعد اللغة العربية، بل وأن هناك كلمات هيروغليفية ما زالت مستعملة في حياتنا العادية حتى الآن، بل إن أغلب المدن الموجودة في الصعيد والدلتا مشتقة كلها من الاسم الهيروغليفي القديم.
وهنا يجب أن نشير إلى أن العلامات الكتابية التصويرية للغة المصرية القديمة قد مرت بعدة مراحل، حيث ظهرت في البداية من خلال الخط الهيروغليفي، ويعني الحروف المقدسة المنقوشة، واستمر بهذا الشكل حتى نهاية العصور المصرية القديمة... ولكنْ لكل فترة من فترات التاريخ الفرعوني شكل من حيث القواعد والمعنى للكتابة الهيروغليفية، حيث إن هناك شكلاً للدولة القديمة والوسطى وآخر في العصور المتأخرة، بالإضافة إلى شكل مختلف للعصر اليوناني الروماني... وقد استخدم الخط الهيروغليفي لتسجيل النصوص الجنائزية والدينية على جدران المقابر والمعابد واللوحات وعلى أسطح التماثيل... بينما كان الخط الهيراطيقي هو الشكل المختصر للنقش الهيروغليفي؛ وكان هو الأكثر شيوعاً واستخداماً في الأدب والإدارة وكتابات الكهنة. ويأتي الخط الديموطيقي أو الشعبي ليدلنا على أن استخدامه كان في المعاملات اليومية والتجارية هو الشائع.
.............................................................................................

كيف تمكّـن العالم من فك رمـوز اللغة الهيروغليفية القديمة ؟


من الشائع لدى دارسي التاريخ ان اللحظة المهمة في فك رموز اللغة الهيروغليفية القديمة المصرية ، كانت منذ لحظة اكتشاف حجر رشيد ، وقت قدوم الحملة الفرنسية الى مصر ( 1798 - 1801 ) ..
نعرف ان ( شامبليون ) قام بفك رموز اللغة الهيروغليفية القديمة ، ومن ثمّ تأسيس علم المصريات كله ، ومعرفة التاريخ المصري القديم كله ، وفهم النقوش والحروف الهيروغليفية التي كانت تؤرّخ لكل فترات مصر العتيقة ..
السؤال هنا: كيف استطاع شاملبيون وغيره من العلماء فك هذه الطلاسم ؟
=====
( 2 )
حجـر رشيد تم اكتشافه في 19 يوليو / تموز عام 1799 .. القائد الفرنسي الذي اكتشفه وجد حائطاً يقترب طوله من المتر ، مكتوب عليه ما يبدو 3 نصوص من لغات مختلفة .. غير متشابهة .. فشعر أنه من الضروري إرسالها للعلماء الذين جاءوا مع الحملة الفرنسية ..

بالفعل أرسلها الى هناك .. ومن ثمّ بدأ دراسة الحجــر بواسطة عدة علمـاء ، من بينهم العالم الانجليزي توماس يونج .. ولكن تركز الإنجاز كله على يد العالم الأشهر ( شامبليون ) ..
للإختصار :
  • كان الحجــر بإختصار عبارة عن مرسوم ملكي أصدره الكهنة المصريون عام 196 قبل الميلاد ، تخليداً لذكرى ( بطليموس الخامس ) .. أحد ملوك البطالمة الذين حكموا مصر ، بعد انهيار الدولة الفرعونية ..
  • لذلك ، كان الحجر يشمل 3 لغات .. اللغة الهيروغليفية ( لغة الكهنة ، أو اللغة الرسمية ) .. اللغة الديموطيقية ( لغة الشعب المصري المتداولة ) .. ثم اللغة اليونانيــة القديمة ( لغــة الشعب اليوناني الذين توافدوا على مصر بعد احتلالها بواسطة البطالمة ) ..
وكان وجود اللغة اليونانية القديمة كنزاً حقيقياً للعلماء ، لأنهم متآلفين معها ، ويمكنهم فهمها..
========
( 3 )
لكن بقيت مشكلة .. هل السياق بين ترجمة اللغات الثلاثة دقيق ام مختلف ؟

هنا ، بدأ المدققون في تحديد كلمات بعينها.. خصوصاً اسم الملك ( بطليموس الخامس ) الذين وجدوه محاطاً بخرطوشة ملكية .. في الهيروغليفية الخرطوش الملكي ، هو غلاف يوضع على اسم الملوك ، وهي عادة معروفة جداً فيما بعد في النص الهيروغليفي ..
شيء أقرب بوضع اسمك بين قوسين : ( بطليموس ) بين قوسين ، تعني اشارة الى ملك مصر فوراً ..
وبالتالي ، سيتم ترجمة الكلمة داخل الخرطوش ، بنفس الحروف الصوتية في اللغة اليونانية القديمة .. تطابق بعض الحروف مع بعضها ..
ومن ثمّ ، يمكن استنتــاج بقية الحروف والصوتيـات من بقية النصّ بشكل متدرّج .. والتمييز بين الحروف الهيروغليفية ، والديموطيقية ( القريبة من القبطية ) ، واليونانية القديمة ..
========
( 4 )
قد يبدو الامر بسيطاً .. ولكن هذا العمل استغرق اكثر من 13 عاماً ، ومجهود هائل طوال هذه السنوات .. تكلل بكشف هائل في كافة علوم المصريّــات ومعرفة التاريخ المصري كله على أساس واضح ..
حجر رشيد كان كشفاً عظيماً في تاريخ مصـر بلا جدال ، لأنه هو الذي جعلنا نفهم كل هذه الطلاسم والحروف التي كانت تعتبر مئات السنين مجرّد سحر ، أو نقوش رمزية نقشها المصريون القدماء ..
بالمناسبة .. شامبليون بعد ان استطاع فك الرموز المصرية في فرنسا ، جاء في بعثة الى مصر لدراسة بعض النصوص الاثرية الاخرى ، ولتطبيق اكتشافه للغة .. وعندما عاد الى فرنسا ، أصيب بشلل وهذيان ورعاش غريب ، أدى الى وفاته وهو ابن الثانية والأربعين ..
قيل انه دخل الى بعض المقابر ، وانه اصيب بلعنة الفراعنة - كعادة من يموت بمرض غريب بعد فتح المقابر في مصر - ..
  • هذه المساهمة للتبسيط الشديد .. يمكنك البحث أكثر عن الموضوع بنفسك ..